
يُعد التدخين من أكبر التحديات الصحية التي تواجه المجتمعات، إذ يتسبب في مئات الآلاف من الوفيات سنويًا ويكلف أنظمة الرعاية الصحية مليارات الدولارات. وبينما تختلف الاستراتيجيات لمكافحة هذه الظاهرة، ينقسم الخبراء بين نهج الحظر الكامل الذي يسعى للقضاء على جميع منتجات التبغ والنيكوتين، وبين نهج تقليل المخاطر الذي يهدف إلى توفير بدائل أقل ضررًا للمدخنين.
وفي خطوة تُعتبر تحولًا في سياسة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، وافقت الوكالة على منتج "زين" (ZYN)، وهو أكياس نيكوتين خالية من التبغ، كبديل أقل خطورة على المدخنين البالغين مقارنةً بالاستمرار في التدخين التقليدي. أثارت هذه الموافقة جدلاً واسعًا بين مؤيدي تقليل المخاطر الذين يعتبرونها خطوة إيجابية للحد من أضرار التدخين، ومعارضي النيكوتين الذين يرون أنها قد تفتح الباب أمام تحديات جديدة تتعلق بالتنظيم والتأثيرات الصحية طويلة المدى، خصوصًا على الشباب.
هذا الجدل ليس جديدًا بين الطرفين؛ فقد كانت المناقشات بين خبراء الصحة العامة حامية حول أفضل استراتيجية لمكافحة التدخين. ففي الوقت الذي تدعو فيه بعض المنظمات والحملات مثل "أطفال بلا تبغ" إلى سياسة الحظر الكامل، معتبرة أن جميع منتجات النيكوتين يجب أن تُحظر باعتبارها إرثًا يجب التخلص منه، يرى العديد من المختصين أن هذا النهج غير عملي، مستشهدين بفشل سياسات الحظر في تقليص استهلاك الكحول والتبغ في الماضي.
من ناحية أخرى، يدعو مؤيدو تقليل المخاطر إلى استبدال السجائر القابلة للاحتراق بمنتجات أقل خطورة مثل السجائر الإلكترونية ومنتجات التبغ المسخن وأكياس النيكوتين. يعتمد هذا النهج على فكرة أن تقليل المخاطر الصحية للمستهلكين الحاليين الذين يرفضون الإقلاع عن التدخين يعد أفضل من الاستمرار في تدخين السجائر التقليدية.
في السنوات الأخيرة، بدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية وكأنها تتبنى موقفًا متشددًا تجاه البدائل الجديدة للنيكوتين، حيث كانت تتجنب الموافقة على أي منتجات بديلة للسجائر. لكن الموافقة الأخيرة على "ZYN" كمنتج معدل المخاطر، إلى جانب تصريحات إدارة الرئيس ترامب بشأن إصلاح الوكالة، قد تشير إلى تحول نحو استراتيجية أكثر واقعية تركز على تقليل المخاطر بدلاً من الحظر الكامل.
هذا التطور يعكس تزايد القبول بفكرة أن توفير بدائل أقل خطورة قد يكون أكثر فعالية في الحد من مخاطر التدخين مقارنة بسياسات المنع الصارمة. وأكدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أن قرارها بالموافقة على "ZYN" استند إلى الأدلة العلمية التي تشير إلى أن هذا المنتج يُعتبر أقل خطورة من تدخين التبغ التقليدي.
وفي هذا السياق، يؤكد أستاذ الطب في جامعة تافتس، مايكل سيغل، أن هذا القرار يمثل تحولًا في نهج الوكالة، مشيرًا إلى أن أكياس النيكوتين من بين البدائل الأقل خطورة المتاحة. وأضاف سيغل: "إذا نظرنا إلى مستوى المخاطر، نجد أن هذه المنتجات هي الأدنى على الإطلاق، لأنها خالية من التبغ ولا تعتمد على الاحتراق أو حتى التسخين، مما يقلل من احتمال التعرض للمواد الكيميائية الضارة."
تُعد أكياس النيكوتين "ZYN" منتجات خالية من التبغ والدخان، تحتوي على مزيج من مسحوق النيكوتين، المحليات، النكهات، وبعض الإضافات الغذائية، وتعمل ببساطة من خلال وضع الكيس بين اللثة والشفة العليا.
يرى مؤيدو الحظر أن المنتجات التي تحتوي على النيكوتين يجب أن تُمنع تمامًا، معتبرين أن التدخين أصبح غير مقبول ثقافيًا، وبالتالي لا ينبغي السماح ببدائل جديدة. بينما يرد أنصار تقليل المخاطر بأن التدخين لا يزال واسع الانتشار في الولايات المتحدة، حيث يدخن نحو 30 مليون شخص السجائر، ويظل التدخين السبب الرئيسي للأمراض القابلة للتجنب.
وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض، فإن التدخين يتسبب في وفاة أكثر من 480 ألف أمريكي سنويًا، ويكلف الاقتصاد الأمريكي أكثر من 600 مليار دولار سنويًا.
من جهته، يرى رئيس شركة "Swedish Match North America"، توم هايز، أن قرار الوكالة يعترف بالدور الذي يمكن أن يلعبه "ZYN" في تقليل مخاطر التدخين من خلال مساعدة المدخنين البالغين على التحول إلى بدائل أقل ضررًا. ومع ذلك، عبرت جمعية الرئة الأمريكية عن مخاوفها من أن هذه الأكياس تحتوي على مستويات عالية من النيكوتين التي قد تكون "إدمانية للغاية ومضرة للشباب بأي شكل من الأشكال." بينما يجادل مؤيدو تقليل المخاطر بأن النيكوتين ليس المشكلة الأساسية، بل المواد الكيميائية السامة الناتجة عن احتراق السجائر.
يقول سيغل في هذا الصدد: "من غير المنطقي أن تعارض منظمات مثل جمعية الرئة الأمريكية مساعدة المدخنين على ترك السجائر القاتلة والتحول إلى خيارات أكثر أمانًا."
وفيما يتعلق بالآثار الاقتصادية للموافقة على "ZYN"، فإن شركة فيليب موريس إنترناشونال، التي استحوذت على "Swedish Match" في عام 2022، أعلنت عن توسيع إنتاجها في الولايات المتحدة، مما يعني المزيد من الوظائف والإيرادات في ولايات مثل كنتاكي وكولورادو. لكن جيف ستاير من مركز اختيار المستهلك يرى أن التأثير الاقتصادي الأكبر يكمن في تقليل تكاليف الرعاية الصحية من خلال خفض معدلات التدخين، قائلاً: "الفائدة الاقتصادية الكبرى تكمن في تقليل تكاليف الرعاية الصحية من خلال خفض عدد المدخنين."
بينما يستمر الجدل بين مؤيدي الحظر وأنصار تقليل المخاطر، تبقى القضية الأهم هي إيجاد حلول عملية وفعالة لحماية الصحة العامة مع الاعتراف بحقيقة أن ملايين الأشخاص ما زالوا يستهلكون النيكوتين.