Skip to main content

السويد تحقق انخفاضاً ملحوظاً في وفيات سرطان الرئة بنسبة 42% خلال عقد واحد

03 نيسان 2025

يشكل التدخين عبئاً صحياً واقتصادياً كبيراً على الدول، حيث يؤدي إلى استهلاك جزء كبير من ميزانيات الرعاية الصحية بسبب الأمراض المرتبطة به، مثل السرطان. وبينما تعتمد العديد من الدول على سياسات الحظر والتقييد للحد من التدخين، تتبنى السويد نهجاً مختلفاً يركز على تقليل المخاطر من خلال تقديم بدائل خالية من الدخان.

وكشف تقرير جديد صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن السويد حققت أكبر انخفاض في وفيات سرطان الرئة القابلة للتجنب بين الرجال في الاتحاد الأوروبي خلال الفترة بين 2011 و2021، متفوقة على جميع الدول الأوروبية الأخرى. فما هي الأسباب وراء هذا النجاح؟ وكيف ساهمت استراتيجيتها المبنية على تقليل المخاطر في تحقيق هذه النتيجة؟

من المعروف أن التدخين يضغط بشدة على أنظمة الرعاية الصحية، حيث يتسبب في ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان وأمراض أخرى مرتبطة بإدمان التبغ. على سبيل المثال، في إسبانيا، يستهلك التدخين نحو 10% من ميزانية الصحة العامة، وهي نسبة تفوق كثيراً الإيرادات الناتجة عن مبيعات السجائر ومنتجات التبغ الأخرى.

في تقريرها الأخير حول معدلات الإصابة بالسرطان في أوروبا، صنفت منظمة OECD السويد، إلى جانب النرويج وآيسلندا، من بين الدول التي تسجل أدنى معدلات الإصابة بسرطان الرئة بين الرجال في الاتحاد الأوروبي.

ووفقاً للتقرير، شهدت السويد أكبر انخفاض في الوفيات الناتجة عن سرطان الرئة بين الرجال خلال العقد الماضي. ويبلغ معدل الإصابة بسرطان الرئة في السويد 39 حالة لكل 100 ألف شخص، مقارنة بالمجر، التي تسجل أعلى معدل في أوروبا عند 139 حالة لكل 100 ألف شخص.

ومن الجدير بالذكر أن معدل الوفيات الناتجة عن سرطان الرئة بين الرجال في الاتحاد الأوروبي تراجع بنسبة 27% بين عامي 2011 و2021، بينما سجلت السويد انخفاضاً أكبر بنسبة 42%، في حين كانت قبرص الأقل تراجعاً بنسبة 2%.

أما الوضع بين النساء فيثير القلق، حيث شهدت وفيات سرطان الرئة ارتفاعاً بنسبة 4% خلال نفس الفترة، وهو ما يعكس تغيراً في أنماط استهلاك التبغ بين النساء وزيادة تدخينهن في العقود الماضية.

وكانت السويد قد تبنت سياسات تعتمد على تقليل المخاطر لمكافحة التدخين، حيث سمحت بطرح بدائل خالية من الدخان مثل "السنوس" (التبغ الفموي) الذي يُحظر في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، وأكياس النيكوتين التي حصلت مؤخراً على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لتسويقها في الولايات المتحدة.

وبفضل هذه الاستراتيجية، أصبحت السويد قريبة من تحقيق مجتمع خالٍ من التدخين وفقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية، حيث انخفضت نسبة المدخنين فيها إلى أقل من 5%، وهو إنجاز لم تحققه أي دولة أوروبية أخرى.

إلى جانب الفوائد الصحية، يسلط تقرير منظمة OECD الضوء على التأثير الاقتصادي الإيجابي لهذه الاستراتيجية. مع تقدم السكان في العمر وارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان، من المتوقع أن تزيد تكاليف علاج الأمراض السرطانية في أوروبا بشكل كبير خلال العقود المقبلة. ومن المتوقع أن يرتفع نصيب الفرد من الإنفاق على علاج السرطان في الاتحاد الأوروبي بنسبة 59% بحلول عام 2050، لكن في السويد، يُتوقع أن يكون هذا الارتفاع أقل من 36%.

أثارت التجربة السويدية نقاشاً واسعاً في أوروبا حول كيفية التعامل مع البدائل الخالية من الدخان. في حين بدأت المملكة المتحدة في تبني نهج مشابه، لا تزال بعض الدول تفرض قيوداً صارمة على هذه المنتجات، مما يثير تساؤلات حول فاعلية السياسات التقليدية في مكافحة التدخين.

ويرى خبراء مثل كارل فاجرستروم، المطوّر لاختبار إدمان النيكوتين، أن السماح باستخدام البدائل الأقل خطورة قد يكون الحل الأكثر واقعية لمواجهة آثار التدخين. ويقول فاجرستروم: "عالم بلا تدخين ممكن، لكن عالماً بلا نيكوتين ليس كذلك."

وقد أثبتت التجربة السويدية أن الاعتماد على بدائل خالية من الدخان يمكن أن يكون أكثر فاعلية من سياسات الحظر التقليدية في تقليل مخاطر التدخين. وبينما تكافح معظم دول أوروبا لمواجهة زيادة معدلات الإصابة بسرطان الرئة، نجحت السويد في تحقيق انخفاض ملحوظ في هذه المعدلات، مما يثير تساؤلات حول إمكانية تبني دول أخرى نموذج السويد في مكافحة التدخين.

وفي ظل الجدل المستمر حول هذه السياسات، يبقى السؤال الأهم: هل ستتبع باقي الدول الأوروبية النموذج السويدي، أم ستتمسك بسياسات الحظر رغم محدودية تأثيرها؟